فصل: (الآية الأولى):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

.قال القنوجي:

سورة أرأيت:
سبع آيات:
ويقال: سورة الماعون، وسورة اليتيم، وسورة الدّين.
وهي مكيّة في قول عطاء وجابر وأحد قولي ابن عباس. ومدنية في قول قتادة وآخرين.

.[الآية الأولى]:

{وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ}.
{وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ} (7) قال أكثر المفسرين: هو اسم لما يتعاوزه الناس بينهم من الدلو، والفأس، والقدر، ولا يمنع عادة كالماء والملح.
وقيل: هو الزكاة، أي يمنعون زكاة أموالهم.
قال الزجاج وأبو عبيد والمبرد: الماعون في الجاهلية ما فيه منفعة من قليل أو كثير، وأنشدوا قول الأعشى:
بأجود منه بما عونه ** إذا ما سماؤهم لم تغم

وقالوا أيضا: هو في الإسلام الطاعة والزكاة، وأنشدوا قول الراعي:
أخليفة الرحمن إنا معشر ** حنفاء نسجد بكرة وأصيلا

عرب نرى للّه في أموالنا ** حقّ الزكاة منزّلا تنزيلا

قوم على الإسلام لمّا يمنعوا ** ماعونهم ويضيّعوا التهليلا

وقال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: الماعون الماء.
وقيل: هو الحق على العبد على العموم.
وقيل: هو المستغل من منافع الأموال، مأخوذ من المعن وهو القليل.
قال قطرب: أصل الماعون من قلة، والمعن الشيء القليل، فسمى اللّه الصدقة والزكاة ونحو ذلك من المعروف ماعونا لأنه قليل من كثير. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الماعون:
أهل الدين يتعرفون على حاجات الآخرين ويسارعون في قضائها. فالدين مع الضعيف حتى يقوى، ومع الفقير حتى يستغنى، ومع اليتيم حتى يكبر، ومع الهائم حتى يستقر. وقد فرط بعض المنتميين إلى الدين في هذه الواجبات فتولدت فلسفات تكفر بالله واليوم الآخر. كانت الشيوعية آخرها، استطاعت أن تحكم نصف العالم أو تؤثر في النصف الباقى. ولو أن أهل الدين لاسيما المسلمون ارتبطوا بدينهم وساروا به سيرة حسنة، ما ظهر هذا الإلحاد. إن الإيمان أخو العطاء والعدالة، والشرك أخو الأثرة والقسوة. وتدبر قوله تعالى: {أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين}. وسورة الماعون، على وجازتها، ترفض العبادة الصورية، وترى أن إعانة محتاج شرط في الإيمان كإقامة الصلاة وأدائها بخشوع، وتهدد بالويل مانع الماعون عن محتاج إليه...!!. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة الماعون:
أقول: لما ذكر تعالى في سورة قريش: {الذي أطعمَهُم مِن جوعٍ} ذكر هنا ذم من لم يُحض على طعام المسكين ولما قال هناك: {فليعبدوا رب هذا البيت} ذكر هنا من سها عن صلاته. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 7):

قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بالدين (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليتيم (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
{بسم الله} الذي تعالت عظمته عن كل شائبة نقص فكان له كل كمال (الرحمن) الذي عمت نعمته المحسن والمسئ فغمر الكل بالنوال (الرحيم) الذي خص أولياءه بإتمام النعمة فحباهم بنعيم الاتصال.
لما أخبر سبحانه وتعالى عن فعله معهم من الانتقام ممن تعدى حدوده فيهم، ومن الرفق بهم بما هو غاية في الحكمة، فكان معرفًا بأن فاعله لا يترك الناس سدى من غير جزاء، وأمرهم آخر قريش بشكر نعمته بإفراده بالعبادة، عرفهم أول هذه أن ذلك لا يتهيأ إلا بالتصديق بالجزاء الحامل على معالي الأخلاق الناهي عن مساوئها، وعجب ممن يكذب بالجزاء مع وضوح الدلالة عليه بحكمة الحكيم، ووصف المكذب به بأوصاف هم منها في غاية النفرة، وصوّره بأشنع صورة بعثًا لهم على التصديق وزجرًا عن التكذيب، فقال خاصًا بالخطاب رأس الأمة إشارة إلى أنه لا يفهم هذا الأمر حق فهمه غيره: {أرأيت} أي أخبرني يا أكمل الخلق {الذي يكذب} أي يوقع التكذيب لمن يخبره كائنًا من كان {بالدين} أي الجزائي الذي يكون يوم البعث الذي هو محط الحكمة وهو غاية الدين التكليفي الأمر بمعالي الأخلاق الناهي عن سيئها، ومن كذب بأحدهما كذب بالآخر: ولما كان فعل الرؤية بمعنى أخبرني، المتعدي إلى مفعولين، كان تقدير المفعول.
الثاني: أليس جديرًا بالانتقام منه.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تضمنت السور المتقدمة من الوعيد لمن انطوى على ما ذكر فيها مما هو جارٍ على حكم الجهل والظلم الكائنين في جبلة الإنسان ما تضمنت كقوله: {إن الإنسان لربه لكنود} {إن الإنسان لفي خسر} {يحسب أن ماله أخلده} وانجر أثناء ذلك مما تثيره هذه الصفات الأولية ما ذكر فيها أيضًا كالشغل بالتكاثر، والطعن علي الناس ولمزهم والاغترار المهلك أصحاب الفيل أتبع ذلك بذكر صفات قد توجد في المنتمين إلى الإسلام أو يوجد بعضها أو أعمال من يتصف بها وإن لم يكن من أهلها كدع اليتيم، وهو دفعه عن حقه وعدم الرفق به، وعدم الحض على طعام المسكين، والتغافل عن الصلاة والسهو عنها، والرياء بالأعمال والزكاة والحاجات التي يضطر فيها الناس بعضهم إلى بعض، ويمكن أن يتضمن إبهام الماعون هذا كله، ولا شك أن هذه الصفات توجد في المتسمين بالإسلام، فأخبر سبحانه وتعالى أنه من صفات من يكذب بيوم الدين ولا ينتظر الجزاء والحساب، أي إن هؤلاء هم أهلها، ومن هذا القبيل قوله عليه الصلاة والسلام: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا» وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» وهذا الباب كثير في الكتاب والسنة، وقد بسطته في كتاب (إيضاح السبيل من حديث سؤال جبريل) فمن هذا القبيل عندي- والله أعلم- قوله تعالى: {أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم} أي أن هذه الصفات من دفع اليتيم وبعد الشفقة عليه، وعدم الحض على إطعامه والسهو عن الصلاة والمراءاة بالأعمال ومنع الحاجات إن هذه كلها من شأن المكذب بالحساب والجزاء لأن نفع البعد عنها إنما يكون إذ ذاك، فمن صدق به جرى في هذه الخصال على السنن المشكور والسعي المبرور، ومن كذب به لم يبال بها وتأبط جميعها، فتنزهوا أيها المؤمنون عنها، فليست من صفاتكم في أصل إيمانكم الذي بايعتم عليه، فمن تشبه بقوم فهو منهم، فاحذروا هذه الرذائل فإن دع اليتيم من الكبر الذي أهلك أصحاب الفيل، وعدم الحض على إطعامه فإنما هو فعل البخيل الذي يحسب أن ماله أخلده، والسهو عن الصلوات من ثمرات إلهاء التكاثر، والشغل بالأموال والأولاد، فنهى عباده عن هذه الرسائل التي يثمرها ما تقدم والتحمت السور- انتهى.
ولما كان المراد بهذا الجنس، وكان من المكذبين من يخفي تكذيبه، عرفهم بأمارات تنشأ من عمود الكفر الذي صدر به ويتفرع منه تفضحهم، وتدل عليهم وإن اجتهدوا في الإخفاء وتوضحهم، فقال مسببًا عن التكذيب ما هو دال عليه: {فذلك} أي البغيض البعيد من كل خير {الذي يدع} أي يدفع دفعًا عنيفًا بغاية القسوة {اليتيم} ويظلمه ولا يحث على إكرامه لأن الله تعالى نزع الرحمة من قلبه، ولا ينزعها إلا من شقي لأنه لا حامل على الإحسان إليه إلا الخوف من الله سبحانه وتعالى، فكان التكذيب بجزائه سببًا للغلظة عليه.
ولما كانت رحمة الضعفاء علامة على الخير، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين» كانت القسوة عليهم علامة على الشر، وكان من بخل باللين في قاله أشد بخلًا بالبذل من ماله، قال معرفًا لأن المكذب ينزله تكذيبه إلى أسفل الدركات، وأسوإ الصفات الحامل على شر الحركات: {ولا يحض} أي يحث نفسه وأهله ولا غيرهم حثًا عظيمًا يحمى فيبعث على المراد {على طعام المسكين} أي بذله له وإطعامه إياه بل يمقته ولا يكرمه ولا يرحمه، وتعبيره عن الإطعام- الذي هو المقصود- بالطعام الذي هو الأصل وإضافته المسكين للدلالة على أنه يشارك الغني في ماله بقدر ما فرض الله من كفايته، وقد تضمن هذا أن علامة التكذيب بالبعث- إيذاء الضعيف والتهاون بالمعروف، والآية من الاحتباك: الدع في الأول يدل على المقت في.
الثاني: والحض في الثاني يدل على مثله في الأول.
ولما كان هذا حاله مع الخلائق، أتبعه حاله مع الخالق إعلامًا بأن كلًا منهما دالّ على خراب القلب وموجب لمقت الرب، وأعظم الإهانة والكرب، وأن المعاصي شؤم مهلك، تنفيرًا عنها وتحذيرًا منها، فسبب عنه قوله معبرًا بأعظم ما يدل على الإهانة: {فويل} ولما كان الأصل: له- بالإضمار والإفراد، وكان المراد بـ: {الذي} الجنس الصالح للواحد وما فوقه.
وكان من يستهين بالضعيف لضعفه يعرض عما لا يراه ولا يحسه لغيبته، وكان من أضاع الصلاة كان لما سواها أضيع، وكان من باشرها ربما ظن النجاة ولو كانت مباشرته لها على وجه الرياء أو غيره من الأمور المحيطة للعمل، عبر بالوصف تعميمًا وتعليقًا للحكم به وشقه من الصلاة تحذيرًا من الغرور، وإشارة إلى أن الذي أثمر له تلك الخساسة هو ما تقدم من الجري مع الطبع الرديء، وأتى بصيغة الجمع تنبيهًا على أن الكثرة ليست لها عنده عزة لأن إهانة الجمع مستلزمة لإهانة الأفراد من غير عكس فقال: {للمصلين} ولما كان الحكم إنما هو على ذات الموضع من غير اعتبار لوصفه بالفعل علم أن المقصود إنما هو من كان مكلفًا بالصلاة لأن من كان متلبسًا بها مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» فلذلك وصفهم بقوله: {الذين هم} أي بضمائرهم وخالص سرائرهم.
ولما كان المراد تضييعهم قال: {عن} دون في {صلاتهم} أي هي جديره بأن تضاف إليهم لوجوبها عليهم وإيجابها لأجل مصالحهم ومنافعهم بالتزكية وغيرها {ساهون} أي عريقون في الغفلة عنها وتضييعها وعدم المبالاة بها وقلة الالتفات إليها، ويوضح ذلك أن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ: {لاهون} وفائدة التعبير بالوصف الدلالة على ثبوته لهم ثبوتًا يوجب أن لا يذكروها من ذات أنفسهم أصلًا، ولذلك كشفه بما بعده، روى البغوي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الآية فقال: «هو إضاعة الوقت» وعن ابن عباس- رضى الله عنهما- أنه قال: هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا ويصلونها إذا حضروا مع الناس.
ولما كان من كان بهذه الصفة لا نظر له لغير الحاضر كالبهائم، قال دالًا على أن المراد بالسهو هاهنا تضييعها عند الانفراد بالترك حسًا ومعنى وعند الاجتماع بالإفساد في المعنى: {الذين هم} أي بجملة سرائرهم {يرآؤن} أي بصلاتهم وغيرها يرون الناس أنهم يفعلون الخير ليراهم الناس فيروهم الثناء عليهم والإحسان إليهم ولو بكف ما هم يستحقونه من السيف عنهم، لا لرجاء الثواب ولا لمخوف العقاب من الله سبحانه وتعالى، ولذلك يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس.
ولما كان من كان بهذه الصفة ربما فعل قليل الخير دون جليله رياء، بين أنهم غلب عليهم الشح حتى أنهم مع كثرة الرياء منهم لم يقدروا على أن يراؤوا بهذا الشيء التافه، فانسلخوا من جميع خلال المكارم، فقال إبلاغًا في ذمهم إشعارًا بأن أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله: {ويمنعون} أي على تجدد الأوقات، وحذف المفعول الأول تعممًا حتى يشمل كل أحد وإن جل وعظمت منزلته ولطف محله من قلوبهم تعريفًا بأنهم بلغوا من الرذالة دركة ليس وراءها للحسد موضع {الماعون} أي حقوق الأموال والشيء اليسير من المنافع مثل إعارة التافه من متاع البيت التي جرت عادة الناس أن يتعاوروه بينهم، ويمنعون أهل الحاجة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق، والحاصل أنه ينبغي حمل ذلك على منع ما يجب بذله مثل فضل الكلأ والماء والزكاة ونحوه ليكون موجبًا للويل، وعلى الزكاة حمله على وابن عمر- رضى الله عنهما- والحسن وقتادة، قال العلماء: هو مأخوذ من المعن، وهو في اللغة الشيء اليسير، ولذلك فسره بعضهم بالماء وبعضهم بما يعار من المتاع نحو القدر والفأس.
والدلو، وبعضهم بالزكاة لأنه لا يؤخذ من المال على وجه الزكاة إلا شيء يسير جدًا بالنسبة إليه، وقيل: هو كل عطية أو منفعة، وقال قطرب: هو فاعول من المعن، والمعن: المعروف، وقال أبو عبيدة: الماعون في الجاهلية العطاء والمنفعة وفي الإسلام الزكاة، وقال الهروي: قال ابن عباس رضى الله عنهما: هو العارية- ذكر هذا الأستاذ عبد الحق الإشبيلي في كتابه الواعي، وقال ابن جرير: وأصل الماعون من كل شيء منفعته.
فدل ذلك على أنهم بلغوا نهاية التكذيب باستهانتهم بأعظم دعائم الدين واستعظامهم لأدنى أمور الدنيا، وهذا الآخر كما ترى هو الأول لأن الذي جر إليه هو التكذيب، ومن منع هذه الأشياء التافهة كان جديرًا بأن يمنع ورود الكوثر في يوم المحشر، وكما التقى آخرها بأولها التقت السورة كلها مع مناظرتها في العدد من أول القرآن، وذلك أنه قد علم أن حاصل هذه السورة الإبعاد عن سفساف الأخلاق ورديها ودنيها من التكذيب بالجزاء الذي هو حكمة الوجود المثمر للإعراض عن الوفاء بحق الخلائق وطاعة الخالق، والانجذاب مع النقائص إلى الاستهانة بالضعيف الذي لا يستهين به إلا أنذل الناس وأرذلهم، والرياء الذي لا يلم به إلا من كان في غاية الدناءة، فكان ذلك موجبًا للميل إلى أعظم الويل، وفي ذلك أعظم مرغب في معالي الأخلاق التي هي أضداد ما ذكر في السورة وكلا الأمرين موجود في الأنفال المناظرة لها في رد المقطع على المطلع على أتم وجه، ليكون ذلك إشارة إلى أنها شارحة لهذا ففيه الإيماء إلى ملاحظتها عند قراءتها، انظر إلى قوله تعالى: {الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقًا} [الأنفال: 4] الآية {وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك} [الأنفال: 32] الآية {وما كان صلاتهم عند البيت إلاّ مكاء وتصدية} [الأنفال: 35] {والذين كفروا إلى جهنم يحشرون} [الأنفال: 36] الآية {فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} [الأنفال: 41] الآية ولقد انطبقت السورة بمعانيها وتراكيبها العظيمة ونظومها ومبانيها على الأراذل الأدنياء الأسافل، وأحاطت برؤوسهم بعد كلماتها مفردة قبل حروفها، وأدارت عليهم كؤوس حتوفها من نوافذ الرماح بأيدي جنودها ومواضي سيوفها، وذلك أن عدة كلماتها خمس وعشرون كلمة فإذا اعتبرتها من أول سني النبوة وازت السنة الثانية عشرة من الهجرة، وذلك أواخر خلافة الصديق رضى الله عنه، وفيها لم يبق على يده أحد من المصلين الذين ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أو منعوا الزكاة، فتبين أنهم ما كانوا يصلون في حياته صلى الله عليه وسلم ويزكون إلا رياء الناس فعل الأدنياء الأنجاس حتى حل بهم الويل بأيدي جنود الصديق الذين جاؤوهم بالرجل والخيل فمزقوهم عن آخرهم، ولم تمض تلك السنة إلا وقد فرغ منهم بالفراغ من بني حنيفة باليمامة وأطراف بلاد اليمن من أهل النجير ببلاد كندة والأسود العنسي من صنعاء، وما مضت سنة ست عشرة الموازية لعدد الكلمات بالبسملة- وذلك في أوائل خلافة الفاروق- حتى زالوا من جميع جزيرة العرب وهم مشركو العرب ومتنصروهم ومتمجسوهم الذين كانوا بنواحي العراق والشام والبحرين فأسلم أكثرهم، وذهب الباقون إلى بلاد الروم، فحل الويل بالمرائين من أهل الصلاة فإنهم الذين أتى إليهم نبيهم صلى الله عليه وسلم بالصلاة فأعرضوا عنها والناس لهم تبع، ولم يصح في هذه السورة اعتبار الضمائر لأن الدين في هذا الحد كان قد ظهر على كل ظاهر، إلى حد لا إضمار فيه بوجه ولا عائق له ولا ساتر، وكما أنه لا حاجة إلى الرمز بالضمائر، لما دقت له في الخافقين من البشائر، على رؤوس المنابر والمنائر، فكذلك لم يناسب بعد الوصول إلى هذا الحال المكشوف، للإيماء بالدلالة بإعداد الحروف- والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. اهـ.